فصل: فصل: فإذا تبين أنه لا يصح الاعتماد في ضابط النفي على مجرد نفي التشبيه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


فصل‏:‏ فإذا تبين أنه لا يصح الاعتماد في ضابط النفي على مجرد نفي التشبيه

وأنه طريق فاسد، فإن أفسد منه ما يسلكه بعض الناس حيث يعتمدون فيما ينفى عن الله تعالى‏:‏ على نفي التجسيم والتحيز ونحو ذلك، فتجدهم إذا أرادوا أن يحتجوا على من وصف الله تعالى‏:‏ بالنقائص من الحزن، والبكاء، والمرض، والولادة ونحوها يقولون له ‏:‏ لو اتصف الله بذلك لكان جسمًا، أو متحيزًا، وهذا ممتنع هذه حجتهم عليه‏.‏

وهذه طريقة فاسدة لا يحصل بها المقصود لوجوه‏:‏

الأول‏:‏ أن لفظ ‏"‏ الجسم ‏"‏و‏"‏ الجوهر ‏"‏ و ‏"‏التحيز‏"‏ ونحوها عبارات مجملة مشتبهة لا تحق حقًا، ولا تبطل باطلًا، ولذلك لم تذكر فيما وصف الله وسمى به نفسه لا نفيًا ولا إثباتًا، لا في كتاب الله تعالى‏:‏ ولا في سنة رسوله ـ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ـ ولم يسلكه أحد من سلف الأمة وأئمتها، وإنما هي عبارات مبتدعة أنكرها السلف والأئمة‏.‏

الثاني‏:‏ أن وصف الله تعالى‏:‏ بهذه النقائص أظهر فسادًا في العقل والدين من وصفه بالتحيز والتجسيم، فإن كفر من وصفه بهذه النقائص معلوم بالضرورة من الدين، بخلاف التحيز والتجسيم لما فيهما من الاشتباه والخفاء‏.‏

وإذا كان وصف الله تعالى‏:‏ بهذه النقائص أظهر فسادًا من وصفه بالحيز والجسم، فإنه لا يصح الاستدلال بالأخفى على الأظهر، لأن الدليل مبين للمدلول ومثبت له، فلابد أن يكون أبين وأظهر منه‏.‏

الثالث‏:‏ أن من وصفوه بهذه النقائص يمكنهم أن يقولوا ‏:‏ نحن نصفه بذلك ولا نقول بالتجسيم والتحيز كما يقوله من يثبت لله صفات الكمال مع نفي القول بالتجسيم والتحيز فيكون كلام من يصف الله بصفات الكمال ومن يصفه بصفات النقص واحدًا، ويبقى الرد عليهما بطريق واحد وهو أن الإثبات مستلزم للتجسيم والتحيز وهذا في غاية الفساد والبطلان‏.‏

الرابع‏:‏ أن الذين اعتمدوا في ضابط ما ينفى عن الله على نفي التجسيم والتحيز نفوا عن الله تعالى‏:‏ صفات الكمال بهذه الطريقة‏.‏

واتصاف الله تعالى‏:‏ بصفات الكمال واجب ثابت بالسمع، والعقل فيكون كل ما اقتضى نفيه باطلًا بالسمع والعقل، وبه يتبين فساد تلك الطريقة وبطلانها‏.‏

الخامس‏:‏ أن سالكي هذه الطريقة متناقضون فكل من أثبت شيئًا ونفى غيره ألزمه الآخر بما يوافقه فيه من الإثبات، وكل من نفى شيئًا وأثبت غيره ألزمه الآخر بما يوافقه فيه من النفي‏.‏

مثال ذلك‏:‏ أن من أثبتوا لله تعالى‏:‏ الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع والبصر، والكلام دون غيرها من الصفات قال لهم نفاة ذلك كالمعتزلة ‏:‏ إثبات هذه تجسيم لأن هذه الصفات أعراض، والعرض لا يقوم إلا بجسم‏.‏

فيرد عليهم أولئك بأنكم أنتم أثبتم أنه حي، عليم، قدير، وقلتم ‏:‏ ليس بجسم مع أنكم لا تعرفون حيًا، عالمًا قادرًا إلا جسمًا فأثبتموه على خلاف ما عرفتم فكذلك نحن نثبت هذه الصفات ولا نقول ‏:‏ إنه جسم فهذا تناقض المعتزلة، أما تناقض خصومهم الذين أثبتوا الصفات السبع السابقة دون غيرها فقد قالوا لمن أثبت صفة الرضا، والغضب، ونحوها‏:‏ إثبات الرضا والغضب، والاستواء، والنزول، والوجه، واليدين ونحوها تجسيم لأننا لا نعرف ما يوصف بذلك إلا ما هو جسم‏.‏

فيرد عليهم المثبتة بأنكم أنتم وصفتموه بالحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام ولا يعرف ما يوصف بذلك إلا ما هو جسم، فإن لزمنا التجسيم فيما أثبتناه لزمكم فيما أثبتموه، وإن لم يلزمكم فيما أثبتموه لم يلزمنا فيما أثبتناه وإن ألزمتمونا به، لأنه لا فرق بين الأمرين وتفريقكم بينهما تناقض منكم‏.‏